من هو العميل؟:
تعرف المراكز البحثية ومراكز علم النفس العملاء أو الجواسيس بأنهم : " بعض الأشخاص المخدوعين أو ضعفاء النفوس أو الذين لهم مصلحة معينة تدفعهم إلى التعامل مع الكيان الصهيوني بغرض توفير شيء معين".لكن الحديث اليوم وفي هذه الأوقات بالذات من تاريخ الشعب الفلسطيني عن ظاهرة العملاء يختلف كثيراً عن الحديث عنها في أوقات سبقت كوقت التعايش في ظل اتفاقية أوسلو ، فاليوم وفي ظل الانتفاضة الفلسطينية القائمة يبدو أن الحديث بات مدار هم العديد من الناس على أرض فلسطين .ويحاول الموساد الإسرائيلي وجهاز الأمن العام المسمى بـ " الشاباك " من خلال هذه الفئة المنبوذة من قبل الشعب الفلسطيني أن تضرب حيث استطاعت في عمق الحركات الفلسطينية وإيجاد أكبر موقع لاختراقها، والحصول على المعلومات حول تشكيلها وآلية العمل داخلها ، ومن ثم التعرف على مواطن القوة والضعف ، والتركيز على نقاط هامة تمكن هذا الكيان الإسرائيلي من ضرب البنى التحتية للمنظمات الفلسطينية العاملة على الساحة اليوم، هذا بالإضافة لمن يتم التعرف عليهم بأنهم سوف يقومون بتنفيذ عمليات داخل فلسطين المحتلة .
وما أن دخلت الحالة الفلسطينية في طور جديد، واشتعل فتيل الانتفاضة حتى بدأت تسمع انفجاراً في أكشاك الهواتف العمومية على سبيل المثال ، يكون موجوداً فيه مطلوب لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وطائرة تقصف سيارة تقتل من فيها وهو مطلوب ، الأفـ16 الأمريكية الصنع تقصف بيتاً فتقتل مطلوباً ، وهكذا الحال .
دور العميل:
يبذل العميل دوراً كبيراً في عملية تسمى جمع المعلومات يحاول من خلالها تجميع الكم الأكبر من المعلومات عن الشخص الذي سوف يتم استهدافه " المطلوب " مثل: البحث عن رقم البيت وموقعه، ورقم الهاتف والتلفون السري، والأصدقاء والأماكن التي يرتادها كثيراً، وأشياء يكاد المطلوب يهمل قيمتها في التكتم الأمني، لكنه يدفع الثمن حينها حياته ولكن الضريبة هنا تدفع مقابل حبه لفلسطين .
ويقول رجل المخابرات الإسرائيلية " جدعون عزره " : - "إن هناك شبكة من العملاء في أيدي إسرائيل تعمل في المناطق بهدف منع العمليات، ومن مدة إلى أخرى يكلف أفرادها بتنفيذ عمليات اغتيال ضد مطلوبين أو مسؤولين في التنظيمات ، وهذه عملية حساسة ومهمة، فهم يعملون بطرق مختلفة، وكل طريقة ممكنة، ومن غير المعقول الوصول إلى العناوين الصحيحة "المستهدفة" دون مساعدة فعالة من عناصر المنطقة.
وأيضاً وفي هذه الأيام تستمر أجهزة الأمن الإسرائيلية في تشغيل "عملاء" فلسطينيين، وكل منهم ينفذ مهام ويقوم بعمليات لأسباب مختلفة".
هناك شبكة من العملاء في أيدي إسرائيل تعمل في المناطق بهدف منع العمليات، ومن فترة إلى أخرى يكلف أفرادها بتنفيذ عمليات اغتيال ضد مطلوبين.
ويضيف بوضوح تام غير قابل للتأويل أو الشرح : " أجهزة المخابرات الإسرائيلية تستفيد من بعض النقاط الحساسة التي يمتاز بها هذا العميل أو ذاك، والتي تسمح لنا وتساعدنا على تحويله إلى عميل يعمل لحسابنا، فهناك شخص يحتاج إلى تصريح عبور، ولشخص آخر طفل مريض ونقاط أخرى، ثم يتم الفحص والتأكد فيما إذا كانت لديهم المميزات المطلوبة في كل عميل، وفيما إذا كان قادراً على القيام بهذه المهمة".
قد يتساءل البعض هنا عن سؤال بديهي ربما ، مفاده كيف يصبح هذا الشخص عميلاً يعمل لصالح إسرائيل مع أنه من أبناء الشعب الفلسطيني، ولربما كان في يوم من الأيام من المناضلين المخلصين أيضاً ... !
لا غرابة كثيراً في الأمر، فالأسباب هنا متعدده آخذين بعين الاعتبار التعريف المجمع عليه بأن هؤلاء الأشخاص هم من ضعفاء النفوس .
فالاحتلال الاسرائيلي منذ الوهلة الأولى لدخوله أرض فلسطين عكف على استخدام هذه الوسيلة لمساعدته في النيل من المجاهدين في هذا الوطن، فقد استغل الاحتلال حالة الفقر التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد ظروف حصار دامت سنوات، حاول من خلال ذلك أن يغدق بالمال على ضعفاء النفوس مقابل أن يخدم " دولة إسرائيل العظمى " ، وفي حالة رفض هذا الشاب أو العميل لاحقاً فإنه يهدده بأن يقطع لقمة العيش عنه وعن أبناءه ، وقد يتعدى الأمر ذلك بأن يحرمه من السفر للعلاج مثلاً في الخارج أو علاج أحد أطفاله، وإن كان يريد ذلك فعليه أن يخلص في العمل لصالح إسرائيل .
ولقد انتشرت في انتفاضة عام 1987م أكبر وسيلة للوقوع في حبال العمالة ، وتتمثل هذه الوسيلة في قيام الموساد الإسرائيلي بتصوير الشاب الفلسطيني وهو يمارس الرذيلة مع أحد الفتيات في بلده، وحينها تستدعيه سلطات الاحتلال وتهدده بتبعات الفضيحة التي سوف تلحق به لو تم كشف الأمر ، وتعرض إسرائيل على هذا الشاب خيارين، أحدهما: إما الفضيحة على مستوى وسائل الإعلام والحي الذي يسكن فيه ، وإما درءاً لذلك أن يتعامل مع إسرائيل في إيصالها لأهدافها .
العميل يتحدث ..!
لربما كان لعامل توفير المال الدور الأكبر في الانتفاضة الأخيرة بعد الحصار المضروب على قطاعات العمل والصناعة في فلسطين ، ولقد قال أحد هؤلاء المتعاملين مع إسرائيل من خلال إستجوابه وقد بدت عليه علامات الندم والحسرة وهو يتحدث عندما قال : " لقد وفرت لنا إسرائيل على المعابر والحدود عملا نعتاش منه نحن وأطفالنا في أي مكان نشاء، لكن دفعنا ثمن ذلك عندما طلب منّا ضابط المعبر أن نقدم له خدمة بسيطة في التعامل معهم " .
سجلت الفصائل الفلسطينية لأولئك العملاء قبل قتلهم مجموعة من أشرطة الفيديو المصورة حيث يتحدث فيها العميل عن كيفية ارتباطه بالمخابرات الإسرائيلية
ويضيف هذا العميل الذي عرف نفسه :- " لقد طلب مني الضابط الإسرائيلي أن أقدم له معلومات وافيه على مكان تجمع شباب المقاومة الفلسطينية في ليل الاجتياحات والتوغلات التي تقوم بها إسرائيل للمناطق، وعندما رفضت، قال لي: ارجع إلى بيتك وليس لك عندنا عمل ، ولكن أنا (يضيف العميل) لدي عشرة أبناء يريدون العيش فوافقت على طلبه لأجل أطعم أبنائي ".
حالات متعددة وكثيرة والعمل واحد هو خيانة الشعب الفلسطيني في أحلك الظروف، ولكن الطريقة تختلف باختلاف الزمان والمكان .
دور السلطة الفلسطينية:
لم تعطي السلطة الفلسطينية الاهتمام المطلوب في مكافحة هذه الظاهرة، سواء كان عبر الوسائل الوقائية التي من شأنها توعية المواطن الفلسطيني بالأساليب التي يتبعها العدو الإسرائيلي من أجل إسقاط الشباب في شباكه، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى فلم تقف السلطة الفلسطينية بالدور المطلوب في ردع العملاء الذين يثبت تورطهم في قضايا خيانة أمن الدولة ، ولم ينفذ حتى يومنا هذا أي عقاب لأي عميل منذ قدوم السلطة الفلسطينية حتى اللحظة .
مما فتح الباب على مصراعيه للعمل دون أي خوف من قبل الشخص المرتبط مع العدو الصهيوني .
ولقد دأبت بعض الفصائل الفلسطينية منذ انتفاضة 1987م على عمليات تحذير لأولئك العملاء مرات ومرات أن يرتد عن هذا العمل ، وإلا فإنها سوف تلاحقه.
وقد سجلت الانتفاضة الفلسطينية حالات قتل كثيرة للعملاء المتعاونين مع الصهاينة بواسطة الفصائل الفلسطينية، حيث تم قتل العديد منهم في ساحات ومراكز المناطق حتى يكونوا عبرة لغيرهم ، سجلت الفصائل الفلسطينية لأولئك العملاء قبل قتلهم مجموعة من أشرطة الفيديو المصورة، حيث يتحدث فيها العميل عن كيفية ارتباطه بالمخابرات الإسرائيلية، وما وصل به الأمر الآن إلى القتل، ويقدم النصيحة لكل الشباب بأن من يتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي سيكون نهايته كما نهاية هذا العميل اليوم أن يقتل رمياً بالرصاص في ميدان المدينة التي يسكنها .
فصائل المقاومة الفلسطينية:
تخشى الفصائل الفلسطينية اليوم من حدوث الفوضى داخل الشارع الفلسطيني إذا ما حاولت أن تقوم بخطوة على عاتقها تجاه العملاء ، خشية من أن يستغل العملاء الظرف، وينخرطوا في صفوف المقاومين ويمارسون العربده أكثر فأكثر في محاولة منهم للرد على عمليات القتل في صفوفهم من قبل الحركات الفلسطينية ، هذا وتأمل العديد من الفصائل أن تأخذ السلطة زمام المبادرة وتضع حداً لهذه الظاهرة الآخذة بالتفشي يوماً بعد يوم، وإلا فإن هذه الحركات سوف تتحرك يوماً بنفسها لتردع هذه الظاهرة على حد قول مسؤولي الفصائل .
وسائل الاتصال:
لعبت وسائل الاتصال دوراً كبيراً في تجنيد العملاء ، وسهلت لهم القيام بمهامهم التي تم تكليفهم بها من قبل العدو الصهيوني، حيث إن هناك العديد من الأجهزة الخلوية ووسائل الاتصال الإسرائيلية التي تعمل داخل مناطق السلطة الفلسطينية دون أي مانع من قبل السلطة، بل أن الشركات الإسرائيلية أصبح لها وكلاء وموزعون في هذه المناطق، مثل: شركة : " ميرس و سليكوم ... الخ " .
ولا تخضع هذه الوسائل المتعددة من الاتصالات لرقابة السلطة الفلسطينية، مما يدفع العملاء بنقل رسائلهم إلى ضباطهم في المخابرات الإسرائيلية عبر هذه الوسائل ودون أدنى خوف، بالإضافة إلى أنها توفر حلقة اتصال مستمر ما بين الشخص العميل وضابط المخابرات الإسرائيلي، وتصبح تنفيذ المهام من خلالها بالنسبة لضابط المخابرات سريعة وسهلة، وهذا ما لوحظ في المدة الأخيرة التي كثرت فيها حوادث الاغتيال .